وصف حملة العرش
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش إن ما بين أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام..}، رواه ابن أبي حاتم، ولفظه: {مخفق الطير سبعمائة عام} ] سبحان الله! ما أعظم الله! وما أعظم ملكه وقدرته وسلطانه جل وعلا! وكم لله من ملائكة عظام! ((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ))[المدثر:31] ونحن تكل وتعجز أبصارنا عن هذا الكون المشهود الذي نراه، بل لا نستطيع أن نرى من الأرض إلا جزءاً محدوداً، وإذا نظرنا إلى السماء يرجع ويرتد البصر خاسئاً حسيراً مما يرى في ملكوت الله تعالى، وإذا نظرت إلى البحر تجد العجب العجاب، فأينما نظرت تجد خلق الله تعالى الذي تعجز العقول عن إدراكه، وإن نظرت في كبير أو صغير في حدود استطاعتك وعلى قدر ثقافتك وعلمك تجد أن لله سبحانه وتعالى له في كل شيء حكمة وآية:
ولله في كل تحريكة وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
فهي دالة على أن الله هو الخالق المدبر سبحانه وتعالى، وأنه عظيم كبير متعال، والإنسان تختلف ثقافته، ولكن العبرة قائمة، فكل ينظر بحسب علمه، وعلى قدر عقله وفهمه يكون حظه من النظر في ملكوت الله، فأي إنسان ترى وتتأمل وتتفكر في سمعه وبصره وشفتيه وكلامه؛ فإنك تجد آية من آيات الله تعالى، وإذا تفكرت في الكون بسمائه وأرضه وأجرامه، وكل شيء تجده ناطقاً بلسان الحال -إن لم تسمعه بالمقال- بوحدانية الله سبحانه وتعالى، وبأن الله حق، ووعده حق. والحجة قائمة وإن اختلفت مستويات البشر العلمية؛ ولهذا فإن من حكمته سبحانه وتعالى أن جعل هذه الآيات مبثوثة في كل شيء، ويراها كل أحد، ولا تخفى على ذي بصيرة أبداً، وإلا لكانت الحجة قائمة على العلماء فقط، أو على النُّظار أو المفكرين أو الكونيين الفيزيائيين، أو الجغرافيين أو ما أشبه ذلك، ولذا فكل إنسان يرى هذه الآيات -مهما كان دنو درجته من العلم والثقافة- فإنه إذا تأمل في ملكوت الله فسيرى من آياته العظيمة ما يدل أن الله تعالى حق، وما هذا الحديث إلا جزء من عالم الغيب الذي يؤمن به المؤمنون دون أي سؤال عن الكيفية، وليس لنا إلا أن نؤمن ونسلم بكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ذكره الله في كتابه على حقيقته، دون أن نعترض كما اعترض المبطلون.